تحول الصراع الإسرائيلي الإيراني في يونيو 2025 من عقود من الحرب بالوكالة إلى مواجهة عسكرية مباشرة، مما يمثل أخطر تصعيد منذ الثورة الإسلامية عام 1979. بدأت الحرب المفتوحة في 13 يونيو 2025 عندما شنت إسرائيل عملية عرفت بـ “الأسد الصاعد” ضد المرافق النووية الإيرانية، مما أدى إلى رد إيراني بأكثر من 400 صاروخ باليستي وضربات بالطائرات المسيرة.
هذا التصعيد لا يهدد فقط الاستقرار الإقليمي، بل يضع العالم أمام سيناريو “حرب العتبة النووية” - صراع غير مسبوق بين دولة نووية مسلحة ودولة على عتبة القدرة النووية.
المواجهة المباشرة
شهد عام 2024 نقطة تحول حاسمة في طبيعة الصراع. في 1 أبريل 2024، قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل 16 شخصاً بينهم قائد فيلق القدس محمد رضا زاهدي. هذا الهجوم دفع إيران لأول مرة منذ عقود إلى شن هجوم مباشر على الأراضي الإسرائيلية في 13-14 أبريل 2024* تحت اسم “عملية الوعد الصادق الأولى”، حيث أطلقت أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ من الأراضي الإيرانية.
تصاعد التوتر في 31 يوليو 2024 عندما اغتالت إسرائيل زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران وقائد حزب الله فؤاد شكر في بيروت في نفس اليوم. رد إيران بـ“عملية الوعد الصادق الثانية” في 1 أكتوبر 2024، مطلقة حوالي 200 صاروخ باليستي على القواعد العسكرية الإسرائيلية، مما أدى إلى إصابة 31 إسرائيلياً ومقتل اثنين. ردت إسرائيل في 26 أكتوبر 2024 بـ”عملية أيام التوبة”.
اللحظة الفاصلة: يونيو 2025
كان 12 يونيو 2025 يوماً حاسماً عندما وجدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران غير ممتثلة لالتزاماتها النووية لأول مرة في 20 عاماً. في اليوم التالي، شنت إسرائيل “عملية الأسد الصاعد” - وكان هجوماً شمل أكثر من 200 طائرة مقاتلة و330 ذخيرة ضد حوالي 100 هدف إيراني، بما في ذلك المرافق النووية في نطنز وفوردو وأصفهان، بحسب وسائل إعلام أميركية.
كانت العوامل المحفزة لهذا الهجوم انتهاء مهلة ترامب البالغة شهرين للمفاوضات النووية، ووصول مخزون اليورانيوم الإيراني إلى 60% تخصيب (قريب من درجة الأسلحة)، وتقييمات استخباراتية أمريكية تحذر من أن إيران أصبحت على بعد أسابيع من القدرة النووية. كما استغلت إسرائيل “نافذة الفرصة الاستراتيجية” التي خلقتها حالة الضعف في شبكة الوكلاء الإيرانيين بعد تدهور قدرات حماس وحزب الله وسقوط نظام الأسد.
نجحت إسرائيل في عمليتها الأولى في قتل قادة الحرس الثوري الإيراني بما في ذلك قائد القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زاده. كما دمرت المنشأة فوق الأرض لتخصيب اليورانيوم في نطنز (كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية) وألحقت أضراراً بمرافق فوردو وأصفهان. أسفرت الضربات الإسرائيلية عن مقتل 78 عسكرياً إيرانياً وإصابة 329 بحسب الادعاءات الإسرائيلية.
ردت إيران بـ“عملية الوعد الصادق الثالثة”، حيث أطلقت أكثر من 400 صاروخ باليستي ومئات الطائرات المسيرة باتجاه تل أبيب وحيفا والمنشآت العسكرية. وبلغت الخسائر الإسرائيلية 24 قتيلاً وأكثر من 600 جريحاً.
حيث تمتلك إيران ترسانة صواريخ باليستية تضم آلاف الصواريخ متوسطة المدى قادرة على الوصول إلى إسرائيل، بما في ذلك أنظمة سجيل-2 وفاتح-110 وشهاب-3.
الموقف الأمريكي
اتخذت الولايات المتحدة موقفاً معقداً تطور من الضبط الأولي إلى النظر في التدخل العسكري المباشر. إذ صرح ترامب أولاً أن الولايات المتحدة “غير متورطة” في الضربات الإسرائيلية، لكنه لاحقاً تباهى بمعرفته المسبقة.
في 17 يونيو، طالب ترامب بـ“الاستسلام غير المشروط” لإيران وحذر من أنه يعرف مكان المرشد الأعلى الإيراني لكن “ليس لديه خطط لقتله، على الأقل ليس الآن”.
رفدت الولايات المتحدة المنطقة بـ "بطاريتي نظام ثاد" للدفاع الصاروخي وأكثر من 30 طائرة تزويد بالوقود جواً.
روسيا تعرض الوساطة
في المقابل، روسيا الحليف المقرّب من إيران، وضعت نفسها كوسيط محتمل مع دعم إيران دبلوماسياً.
أرسل بوتين رسالة للمرشد الأعلى الإيراني عبر سيرغي شويغو يحثه على “رد مضبوط”، بينما أدانت وزارة الخارجية الروسية الهجمات الإسرائيلية على المرافق النووية باعتبارها “غير قانونية”. عرض بوتين في 18 يونيو المساعدة في التوسط لصفقة بين إيران وإسرائيل.
أما الصين، فقد عبرت عن “قلق عميق” حول التصعيد ودعت إلى تهدئة فورية على الرئيس شي جين بينغ الذي دعا في 17 يونيو جميع الأطراف إلى “تهدئة الصراع في أسرع وقت ممكن”، بينما أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية “انتهاكات إسرائيل لسيادة إيران”.
ماذا عن الأسواق؟
شهدت أسعار النفط ارتفاعاً بنسبة 7.5% في 13 يونيو، حيث وصل خام غرب تكساس الوسيط إلى 73.12 دولار للبرميل وبرنت إلى 74.23 دولار للبرميل.
وتتراوح الأسعار حالياً بين 72-76 دولار للبرميل، مع علاوة مخاطر جيوسياسية قدرها 10 دولارات للبرميل.
يحذر المحللون والاقتصاديون من أن الأسعار قد تصل إلى 120-150 دولار للبرميل إذا تم إغلاق مضيق هرمز أو إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية النفطية الإيرانية.
علقت إيران جزئياً الإنتاج في حقل بارس الجنوبي للغاز (الأكبر في العالم) بعد الضربات الإسرائيلية، بينما أوقفت إسرائيل 60% من قدرة إنتاج الغاز الطبيعي بما في ذلك حقل ليفياثان البحري لأسباب أمنية. ارتفعت أسعار الشحن بنسبة 24% للطرق من الخليج إلى الصين، وانخفض حجم العبور عبر مضيق هرمز الذي يتعامل مع 20% من شحنات النفط العالمية.
القدرة النووية الإيرانية
يمتلك إيران حالياً، بحسب ما تعلنه وسائل الإعلام العالمية، 9,247.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب إجمالياً، مع 408.6 كيلوغرام مخصب إلى 60% نقاء (قريب من درجة الأسلحة). يمكن لإيران إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لدرجة الأسلحة (90% تخصيب) لـ5-6 أسلحة نووية في حوالي أسبوعين بالقدرة الحالية، مع إمكانية إنتاج 25 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب لدرجة الأسلحة في 2-3 أيام في منشأة فوردو.
ما هي السيناريوهات المستقبلية؟
سيناريو التصعيد المستمر:
- تسارع إيران التخصيب إلى 90% (درجة الأسلحة) رداً على الضربات
- تجري إسرائيل هجمات متابعة على جهود إعادة البناء
- تستمر التبادلات الصاروخية الإقليمية مع تدخل أمريكي محتمل
سيناريو التهدئة:
- يظهر وقف إطلاق نار ضمني مع تجنب كلا الطرفين التصعيد الكبير
- تعيد إيران بناء برنامجها مع البقاء دون عتبة درجة الأسلحة
- تستأنف الجهود الدبلوماسية بعد فترة تهدئة
سيناريو الانطلاق النووي:
- تخصب إيران بسرعة إلى اليورانيوم بدرجة الأسلحة خلال أسابيع
- برنامج طوارئ لتطوير جهاز نووي خام خلال 6-12 شهر
- تواجه إسرائيل قراراً حول ضربة نووية استباقية على المرافق تحت الأرض
- تتصاعد الأزمة النووية الإقليمية إلى ما وراء الاحتواء
هل ستتدخل الولايات المتحدة؟
يمثل الصراع الإسرائيلي الإيراني في يونيو 2025 نقطة تحول جوهرية في النظام الأمني للشرق الأوسط. حيث التحول من الحرب بالوكالة إلى المواجهة المباشرة، مقترناً بوضع إيران على عتبة القدرة النووية، يخلق واقعاً جديداً في المنطقة يُفرض على الدول العظمى على رأسها الولايات المتحدة.
المعطيات على الأرض تقول إن النافذة الدبلوماسية تنغلق بسرعة، أما الخبراء يؤكدون أن المسار الحالي يفضل استمرار تصعيد الأزمة مع مخاطر كبيرة للاختراق النووي الإيراني وتتالي الانتشار الإقليمي الأوسع، ما لم تنجح تدخلات دبلوماسية عاجلة في تغيير هذا المسار التصاعدي الخطير.
أمريكا تواجه معضلة معقدة.. كيف؟
التدخل المباشر يحمل معه مخاطر هائلة قد تفوق المكاسب. هناك حلفاء لا يستهان بهم (الصين وروسيا).
عدم التدخل قد يعني قبول تحول جذري في موازين القوى الإقليمية لصالح إيران.. وهنا تكمن خطورة أخرى.
السيناريو الأرجح في تقديري: هو التدخل المحدود مع تجنب التورط الواسع، لكن مع مخاطر تصعيد لا يمكن تجنبها.
السؤال الأهمّ: هل ستقبل أمريكا بنظام توازن جديد؟!