الأربعاء 12 مُحرَّم 1447هـ 9 يوليو 2025
موقع كلمة الإخباري
بعد "فزعة" أمريكا.. هل ستعود إيران لمحاربة إسرائيل؟!
الشيخ حسين الخشيمي (رئيس التحرير)
2025 / 07 / 09
0

بداية، لا أحد - مهما بلغت براعته في فك طلاسم السياسة أو قراءة خرائط الحرب - يستطيع التكهّن بما ستحمله الأيام القادمة لمنطقة اشتعلت فيها النيران لاثني عشر يوماً في يونيو الماضي. فقد قلبت المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل كل الموازين، وبعثرت أوراق اللعبة القديمة!

حين دخلت أمريكا على خط المواجهة بضرباتها للمنشآت النووية الإيرانية، وحين ردت طهران بوابل من الصواريخ اخترقت سماء إسرائيل كالمطر، بدت كأنها نهاية فصل وبداية عصر جديد. وهنا نحن في عصر تتشابك فيه كل التوقعات التي لن يستطيع حلّها حتى من "يشق الشعرة بشعرتين"!

ما أقدمه في هذا المقال هو مجموعة من الاحتمالات التي تولّدت لديّ بناءً على متابعاتي اليومية لمجريات الأحداث وربطاً بمعطيات وتاريخ الصراع بين إسرائيل وإيران.

لنتفق أيضاً أن المنطقة -أكثر من أي وقت مضى- تعيش على صفيح ساخن بعد "حرب الاثني عشر يوماً" التي اندلعت بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي. هذه المواجهة غير المسبوقة، التي شهدت لأول مرة تدخلاً عسكرياً أمريكياً مباشراً ضد المنشآت النووية الإيرانية، أعادت تشكيل نوع الصراع في الشرق الأوسط بشكل جذري.

ورغم الهدوء الحذر الذي يلف المشهد الإقليمي حالياً، فإن التوترات الأساسية التي أدت إلى هذه المواجهة لم تُحسم بعد، مما يجعل شبح الحرب يخيم على المنطقة من جديد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تقارير وتحليلات خبراء استراتيجيين تشير إلى أن طبول الحرب قد تقرع مجدداً في أي لحظة، لكن لا تبنّي ما تتضمنه هذه التقارير والتحليلات بشكل حاسم.

المواجهة المباشرة

في الفترة من 13 إلى 24 يونيو 2025، شهد العالم أول مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل في تاريخ الصراع بينهما. حيث بدأت إسرائيل بشن هجمات مفاجئة على منشآت عسكرية ونووية إيرانية، واغتيال شخصيات بارزة من قادة عسكريين وعلماء نوويين وسياسيين.

ردت طهران بإطلاق أكثر من 550 صاروخاً باليستياً و1000 طائرة مسيّرة استهدفت مدناً ومواقع عسكرية إسرائيلية، في مفاجأة كشفت عن قدرات صاروخية إيرانية متطورة تمكنت من اختراق منظومات الدفاع الإسرائيلية وإصابة أهداف بدقة عالية كذّبت جميع قصص أسطورة "القبة الحديدية".

النقطة المفصلية في الصراع جاءت في 21 يونيو عندما شعرت الولايات المتحدة بالخطر الوجودي الذي أحاط بإسرائيل فاضطرت للدخول في الصراع مباشرة بقصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية رئيسية: نطنز وفردو وإصفهان، مستخدمة قنابل خارقة للتحصينات. لكن ما كشفته شبكة CNN في 2 يوليو 2025 كان صادماً: التقييمات الاستخباراتية الأولية الأمريكية أشارت إلى أن البرنامج النووي الإيراني تعرض لتعطيل يقدر بشهور فقط وليس سنوات، مما يعني فشل الولايات المتحدة في تحقيق هدفها المعلن بتدمير البرنامج النووي بشكل كامل.

إيران.. خطوة نحو النووي

كان رد طهران سريعاً وحاسماً ومخالفاً لجميع التوقعات، في 2 يوليو 2025، وافق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على قانون تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعد يومين فقط غادر جميع المفتشين الدوليين الأراضي الإيرانية. 

كان هذا القرار نقطة تحول خطيرة في الأزمة النووية، خاصة بعد أن أعلنت الوكالة الدولية في 12 يونيو 2025 - لأول مرة منذ 2005 - أن إيران غير ملتزمة بالتزاماتها النووية.

وفقاً لتقديرات الوكالة الدولية، تمتلك إيران حالياً 9,247.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بمستويات مختلفة، منها 408.6 كيلوغرام مخصب بنسبة 60%. ويُقدّر معهد العلوم والأمن الدولي أن إيران باتت قادرة على إنتاج 25 كيلوغراماً من اليورانيوم بدرجة السلاح النووي في غضون 2-3 أيام فقط.

"محور المقاومة".. جريح لكنّه لم يمت!

أما ما يعرف بـ"محور المقاومة" - الذراع الإقليمية لإيران – رغم أنه تعرض لضربات موجعة، حماس مثلاً التي كانت رأس حربة في الصراع مع إسرائيل، تضررت بشدة بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 والحرب اللاحقة في غزة، مع اغتيال قادة رئيسيين مثل إسماعيل هنية في يوليو 2024 ومحمد السنوار في مايو 2025.

أيضاً حزب الله، الذي كان يُعتبر الذراع الأقوى لإيران، تعرض هو الآخر لإضعاف بعد المواجهات مع إسرائيل في 2024، خاصة بعد اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله. كما أدى سقوط نظام بشار الأسد إلى قطع خطوط الإمداد الإيرانية إلى وكلائها في لبنان، مما أسفر عن مصادرة شحنات أسلحة إيرانية كانت مخصصة لحزب الله.

رغم كل هذه الضربات القاسية، لم ينهر "محور المقاومة" تماماً، فالحوثيون مثلاً في اليمن ظلوا الذراع الأقوى، مع استمرار قدرتهم على توجيه ضربات صاروخية للعمق الإسرائيلي. كما أظهر حزب الله تماسكاً لافتاً حتى بعد استشهاد زعيمه، مما يشير إلى أن المحور جريح لكنه لم يسقط بعد.

صواريخ إيران تحرج التكنولوجيا الإسرائيلية

تحليل القدرات العسكرية -الذي تتبناه عادة وسائل إعلام غربية متحالفة مع إسرائيل- يكشف عن تفوق إسرائيلي واضح في المجالات التقليدية. تمتلك إسرائيل 605 طائرة مقاتلة وفقاً لتقرير WDMMA 2025، بما فيها طائرات F-35I المتطورة وقدرات الضربة بعيدة المدى. كما تفتخر بنظام دفاع صاروخي متعدد الطبقات (القبة الحديدية، مقلاع داود، السهم 2/3).

غير أن هذا التفوق التكنولوجي فشل فشلاً ذريعاً أمام الصواريخ الإيرانية المتطوّرة خلال الحرب الأخيرة، حيث استطاعت إيران إثبات قدرتها الصاروخية عملياً. 

وبحسب تقارير غربية -أيضاً-، فإن طهران لا تزال تمتلك - حتى بعد استخدامها مئات الصواريخ في حربها الأخيرة - أكثر من 1500 صاروخ باليستي وآلاف الطائرات المسيّرة أثبتت كفاءتها في اختراق منظومات الدفاع الإسرائيلية.

"فزعة" أمريكية!

مثّلت الضربة الأمريكية المباشرة للمنشآت النووية الإيرانية في 21 يونيو 2025 سابقة خطيرة في تاريخ الصراع. إدارة ترامب تبنت دعم إسرائيل بشكل واضح، عبر "فزعة" مفاجئة مستخدمة قنابل خارقة للتحصينات ضد منشأة فردو تحت الأرض.

لكن هذا التدخل المباشر واجه عقبة غير متوقعة، إذ فشلت الضربات في تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل كما كان مخططاً، مما وضع الولايات المتحدة وإسرائيل في موقف حرج. وقد أضيفت هذه العقبة إلى التحدي الذي يمثله "محور المقاومة" الذي تعتبره واشنطن مصدر إزعاج وتهديد لمصالحها في الشرق الأوسط.

سيناريوهات المستقبل:

الأول: استمرار الضربات الإسرائيلية المحدودة

يتوقع خبراء استراتيجيون استمرار إسرائيل في توجيه ضربات محدودة، خاصة ضد المنشآت النووية الإيرانية. 

جيسون برودسكي من منظمة ما يعرف بـ "متحدون ضد إيران النووية" يرى أن تل أبيب ستواصل العمليات الجراحية مع استجابة إيرانية محدودة بسبب قيود الإمدادات والرغبة في الحفاظ على القدرات الصاروخية.

هذا السيناريو يتضمن تهديداً بطيئاً للقدرات الإيرانية دون حرب شاملة، مع استمرار الهجمات السيبرانية والعمليات السرية المتبادلة، والتحدي الرئيسي هنا هو تجنب التصعيد غير المقصود الذي قد يشعل فتيل صراع أوسع.

الثاني: الحرب الشاملة.. خيار انتحاري!

بول سالم من معهد الشرق الأوسط يحذر من أن الحملة الإسرائيلية قد تتطور من تعطيل البرنامج النووي إلى جهد أوسع لتغيير النظام الإيراني.

لكن هذا السيناريو يتضمن تصعيداً إقليمياً تتجنبه الولايات المتحدة بشدة لأنه يشمل:

- هجمات إيرانية على القواعد الأمريكية في المنطقة

- تعطيل الملاحة في مضيق هرمز وارتفاع جنوني في أسعار النفط

- إمكانية انتشار الصراع إلى دول الخليج

يصف الخبراء هذا السيناريو بأنه "قرار انتحاري" قد يجر العالم إلى حرب شاملة تشمل دولاً نووية لن تتردد في استخدام قدراتها الفتاكة.

الثالث: حرب الظل.. السيناريو الأرجح

يمثل استمرار الصراع غير المباشر السيناريو الأكثر احتمالاً وفقاً لتحليلات معهد الشرق الأوسط. هذا يتضمن:

- عمليات انتقامية إيرانية متقطعة

- هجمات سيبرانية متطورة (مع زيادة بنسبة 70% في الهجمات السيبرانية على إسرائيل في يونيو 2025)

- عمليات اغتيال متبادلة

- زعزعة الاستقرار الإقليمي عبر الوكلاء المتبقين

الرابع: التهدئة والحل الدبلوماسي.. الاحتمال الأضعف

يرى محللون أن احتمالية التهدئة التفاوضية ضعيفة بعد فشل الردع التقليدي الإيراني. يحدد معهد الشرق الأوسط شروط التهدئة الأمريكية-الإسرائيلية:

- وقف كامل لتخصيب اليورانيوم

- تفكيك البنية التحتية للتخصيب تحت إشراف أمريكي

- تخفيضات حادة في ترسانة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة

- تفكيك الحركات المسلحة الإقليمية في لبنان والعراق واليمن

هذه الشروط تعادل "الاستسلام" من وجهة نظر إيران، مما يجعل قبولها مستبعداً جداً في الوقت الحالي خصوصاً بعد أن أظهرت إيران قوتها في حربها ضد إسرائيل.

إيران النووية

جيمس أكتون من مؤسسة كارنيغي يطرح تحذيراً مؤدّاه أن إسرائيل ربما ضمنت "فشل جهود عشرين عاماً لمنع إيران من الحصول على القنبلة".

 ويرى أن إيران ستنجح "شبه مؤكد" في الحصول على أسلحة نووية عاجلاً أم آجلاً، لأن دافعها الرئيسي للتفاوض (تجنب الهجوم) قد انتهى، ما لم يذكره أكتون يمكننا استنتاجه، هو يُضمر مخاوف غربية من "شهية إيران" التي فتحت مؤخراً لتأديب إسرائيل على طريقتها بعد سنوات من الصبر، حيث كانت إيران تمارس فقط دور الامتصاص دون الرد والمواجهة.

هناك إجماع بين الخبراء على أن إيران ستسرع برنامجها النووي كاستجابة للضربات الأخيرة. وكما ذكرنا سابقاً، يقدر معهد العلوم والأمن الدولي أن إيران تحتاج 2-3 أيام فقط لإنتاج كمية كافية من اليورانيوم المخصب للسلاح.

ترامب ونتنياهو.. اتفقوا واختلفوا!

توماس واريك من المجلس الأطلسي يشير إلى أن ترامب ونتنياهو يتفقان على الأهداف الاستراتيجية لكنهما يختلفان في الوسائل. ترامب رغم خطابه الشعبوي الذي يريد من خلاله أن يصدّر للعالم صورة الحاكم القوي الذي لا يتردد في اتخاذ قرارات الحروب؛ يسعى لتجنب حروب جديدة في الشرق الأوسط مع استمرار دعمه لإسرائيل. ويرى واريك أنه من "المستحيل" أن يضغط ترامب على نتنياهو لإنهاء أي حرب قبل تحقيق أهدافها.

على فوهة بركان

تشير التحليلات إلى أن احتمالية الصراع المستمر مرتفعة في المدى القريب والمتوسط. لقد غيّرت أحداث يونيو 2025 قواعد اللعبة في المنطقة، محولة الصراع من حرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة، مع تدخل أمريكي غير مسبوق.

السيناريو الأكثر احتمالاً في المستقبل القريب هو العودة إلى حرب الظل غير المباشرة مع تصعيد متقطع، بينما تسعى إيران جاهدة لإعادة بناء قدراتها النووية والعسكرية. وقد يصبح القرار النووي الإيراني "خياراً لا مقاومة له" كما تصفه دراسة كارنيغي.

العوامل الحاسمة في المرحلة المقبلة ستكون قدرة إيران على إعادة بناء برنامجها النووي، واستمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل، وتطور التوازنات الإقليمية الجديدة. 

ما هو مؤكد أن الشرق الأوسط في 2025 أصبح مختلفاً جذرياً عما كان عليه قبل عامين، مع هيمنة إسرائيلية متنامية وإيران أكثر تصميماً من أي وقت مضى على امتلاك القدرة النووية.



التعليقات