مع تصاعد المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، ودخول الولايات المتحدة على خط المواجهة بشكل مباشر من خلال استهداف ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية في 22 يونيو 2025، برز مضيق هرمز كأحد أبرز نقاط التوتر الاستراتيجية في هذا الصراع المتصاعد.
هذا الممر المائي الحيوي، الذي يربط الخليج العربي بخليج عُمان والمحيط الهندي، تحول من مجرد ممر ملاحي إلى ورقة ضغط جيوسياسية وأداة تهديد استراتيجية في المواجهة المحتدمة.
يقع مضيق هرمز بين سلطنة عمان وإيران، ويعتبر البوابة الرئيسية للخليج العربي نحو العالم الخارجي. يبلغ عرض المضيق في أضيق نقاطه نحو 56 كيلومتراً، بينما لا تتجاوز المسارات الملاحية الآمنة فيه 10.5 كيلومترات في كل اتجاه مما يجعله نقطة اختناق جيوسياسية واقتصادية بالغة الأهمية.
تكمن أهمية مضيق هرمز في كونه:
1. شريان تجارة النفط العالمية: يتحكم المضيق في مرور أكثر من ربع تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. في عام 2024 والربع الأول من 2025، بلغ إجمالي تدفقات النفط المارة عبر المضيق حوالي 20.3 مليون برميل يومياً، وهو ما يمثل نحو 20% من إجمالي الاستهلاك العالمي من النفط والمشتقات النفطية.
2. ممر رئيسي لتجارة الغاز الطبيعي: يمر عبر المضيق أيضاً 80 مليون طن من الغاز المسال سنوياً، أي ما يمثل قرابة 19 بالمئة من تجارة الغاز الطبيعي المنقولة بحراً، معظمها صادرات قطرية.
3. أهمية متزايدة بعد الأزمات العالمية: زادت أهميته بشكل أكبر مع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، إذ أصبحت منطقة الخليج وجهة الدول الصناعية الكبرى، لتأمين احتياجاتها من نفط الخليج العربي.
مضيق هرمز في ظل الصراع الحالي
اندلعت المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل في 13 يونيو 2025، عندما شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق أطلقت عليها اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية إيرانية بزعم وقف توسع البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الإيرانيين. ردت إيران بعملية أطلقت عليها "الوعد الصادق 3"، استخدمت فيها صواريخ باليستية وطائرات مسيرة ضد أهداف إسرائيلية.
في 22 يونيو 2025، تصاعد الصراع بشكل دراماتيكي مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن شن الولايات المتحدة ضربات على ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية هي: منشأة فوردو، ومنشأة نطنز، ومنشأة أصفهان باستخدام قنابل متعددة من طراز GBU-57A/B MOP بوزن 30000 رطل تحملها قاذفات الشبح، في تدخل أمريكي مباشر في الصراع.
تهديدات إيران بغلق "مضيق هرمز"
ومع استهداف الولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية، برزت تهديدات إيرانية بإغلاق مضيق هرمز كرد محتمل على هذا التصعيد. وفي هذا السياق:
1. دعا حسين شريعتمداري، المستشار البارز للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إلى "إغلاق مضيق هرمز" و"منع عبور السفن الأمريكية والبريطانية والألمانية والفرنسية" كرد انتقامي على الضربات الأمريكية.
2. صرح عضو لجنة الأمن في البرلمان الإيراني إسماعيل كوثري في 14 يونيو أن سلطات بلاده تضع "إغلاق مضيق هرمز قيد الدراسة"، مضيفاً أن بلاده "ستتخذ أفضل قرار بهذا الشأن بكلّ حزم".
3. طرحت صحف إيرانية خيار إغلاق مضيق هرمز باعتباره من أوراق طهران في مواجهة التصعيد الإسرائيلي والأمريكي.
تأثيرات اقتصادية
تسببت المخاوف من تعطل الإمدادات عبر مضيق هرمز في ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية، حيث:
1. ارتفع خام برنت من 69 دولاراً للبرميل في 12 يونيو، إلى أكثر من 78 دولاراً، ما يعكس التأثير الكبير لهذا الممر الاستراتيجي على استقرار أسواق الطاقة العالمية.
2. ارتفعت أسعار النفط العالمية بأكثر من 10%، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ يناير مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل.
3. حذّر بنك "جولدمان ساكس" من سيناريو شديد الخطورة، يتمثل في إغلاق مطوّل لمضيق هرمز، الأمر الذي قد يدفع بأسعار النفط لتتجاوز حاجز 100 دولار للبرميل.
السيناريوهات المحتملة
وضعت مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس" ثلاثة سيناريوهات محتملة لتطور الأزمة:
1. سيناريو "خفض التصعيد": يؤدي إلى استقرار مؤقت في الأسعار.
2. تعليق كامل للإنتاج الإيراني: سيؤدي إلى شح كبير في السوق.
3. إغلاق مضيق هرمز: وهو السيناريو الأسوأ، قد يدفع بأسعار النفط إلى 130 دولاراً للبرميل، ويتسبب في دفع معدل التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات تقترب من 6% بنهاية العام الجاري.
بدائل لمضيق هرمز
تعمل دول المنطقة على تطوير بدائل لمضيق هرمز لتقليل الاعتماد عليه في تصدير النفط:
1. تمتلك السعودية والإمارات خطوط أنابيب تتيح تجاوز مضيق هرمز، وتبلغ طاقتها الاستيعابية نحو 2.6 مليون برميل يومياً، ما يوفر مساراً بديلاً محدوداً في حال حدوث اضطرابات في المضيق.
2. تسعى دول أخرى إلى تطوير مسارات بديلة عبر البحر الأحمر أو من خلال مد خطوط أنابيب إلى موانئ خارج الخليج العربي.
وأمام تصاعد التهديدات بإغلاق المضيق، تحركت القوى الدولية لتأمين حرية الملاحة:
1. تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج، خاصة مع تحذير القوة البحرية متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة من أن احتمال اندلاع صراع إقليمي آخذ في الارتفاع.
2. نصحت بريطانيا واليونان السفن التجارية بتفادي المرور عبر خليج عدن، وطالبتا بتسجيل أي عبور لمضيق هرمز، في إجراء احترازي.
3. بدأت شركات ناقلات النفط العالمية، مثل "فرونتلاين"، في التردد بقبول عقود جديدة للإبحار داخل الخليج عبر مضيق هرمز في أعقاب التصعيد العسكري.
ورقة تفاوضية
تدرك إيران القيمة الاستراتيجية لمضيق هرمز كورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية:
1. يمكن لإيران استخدام التهديد بإغلاق المضيق للضغط على القوى الغربية للتراجع عن دعم إسرائيل.
2. توظيف أهمية المضيق للحصول على تنازلات في ملف العقوبات الاقتصادية أو البرنامج النووي.
3. استخدام ورقة المضيق لإشراك المجتمع الدولي في أي تسوية مستقبلية للصراع الحالي.
يقف مضيق هرمز على مفترق طرق خطير مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، ودخول الولايات المتحدة على خط المواجهة المباشرة. وبينما تلوح طهران بورقة إغلاق المضيق كرد انتقامي على استهداف منشآتها النووية، تبقى الاعتبارات الاقتصادية والاستراتيجية المعقدة عاملاً مهماً في حساباتها.
ومع احتمال تصاعد التوتر أكثر في الأيام المقبلة، قد يصبح مضيق هرمز المؤشر الأكثر حساسية لمدى تأثير هذا الصراع على الاقتصاد العالمي. فأي اضطراب في حركة الملاحة عبر هذا الممر الحيوي سينعكس فوراً على أسعار النفط والتضخم العالمي، مما سيدفع القوى الكبرى للتدخل بشكل أكثر فاعلية لتحقيق تهدئة في المنطقة.
في النهاية، يبقى مضيق هرمز بمثابة "صمام أمان الطاقة العالمية" وشريان حيوي للاقتصاد الدولي، وأي تهديد لاستقراره سيكون له تداعيات تتجاوز حدود الصراع الإقليمي لتطال كافة دول العالم.